فن وثقافة

الأدب الأمازيغي.. إبداع يتطور في ظل غياب التوزيع والدعم المؤسسي

ازري بريس – محمد بنعمر

في ظل تزايد حضور الأصوات الأمازيغية في الساحة الأدبية المغربية، يبرز سؤال جوهري حول قدرة هذا الأدب على الوصول إلى القراء، رغم ما يشهده من تطور على مستوى الإبداع والمضمون. الكاتب الأمازيغي إبراهيم منصوب، يرى أن مستوى الأدب الأمازيغي يشهد تحسنًا ملحوظًا، غير أن محدودية توزيعه في مختلف مناطق المملكة تحول دون انتشاره وتوسّع دائرة قرائه، بخلاف الآداب المكتوبة باللغات الأخرى.

منصوب، الذي تحدث خلال ندوة أدبية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، تحت عنوان “الحركة الأدبية الشبابية في الأدب الأمازيغي”، سلط الضوء على تجارب الشباب في الجنوب الشرقي من المغرب، لاسيما في مجالات الكتابة القصصية والشعرية الموجهة للأطفال والمراهقين. وأكد أن الإنتاج الأدبي الأمازيغي في تزايد مستمر، بفضل انخراط جيل جديد من الكتّاب والكاتبات، إلا أن غياب قنوات فعالة للنشر والتوزيع يظل من أبرز التحديات التي تعيق انتشاره.

ويشير منصوب إلى أن كثيرًا من الأعمال الأدبية، من أناشيد وروايات، تبقى حبيسة الأدراج ولا تجد طريقها إلى الجمهور، سواء بسبب عزوف دور النشر أو تجاهل الفنانين لهذا النوع من الإبداع. كما شدد على أن هناك طلبًا متزايدًا على الكتب الأمازيغية، لكن ضعف توفرها في المكتبات والمواقع التجارية يجعل الوصول إليها محدودًا، داعيًا إلى دعم حقيقي للكتاب الأمازيغ وتشجيعهم على مواصلة الإبداع.

في الاتجاه ذاته، وجّه الكاتب صالح أيت صالح انتقادًا لوزارة التربية الوطنية، معتبرًا أنها تتحمل مسؤولية ضعف الإقبال على الأدب الأمازيغي. وقال إن مرور أكثر من عقدين على إدراج اللغة الأمازيغية في التعليم العمومي لم يحقق الهدف الأساسي، وهو تكوين أجيال قارئة لهذه اللغة ومنفتحة على ثقافتها.

وأضاف أيت صالح أن الأدب ليس حكرًا على المهتمين أو النخبة، بل يجب أن يكون جزءًا من الحياة الثقافية للمؤسسات التعليمية والشبابية، معبرًا عن ارتباطه الشخصي بالأدب الأمازيغي باعتباره لغة وثقافة وهوية أصيلة. كما أشار إلى أهمية البحث في الموروث الشفهي والحكايات الشعبية، التي يرى فيها منبعًا غنيًا لأفكار جديدة تنسجم مع تطورات الأدب العالمي الحديث.

أما الكاتبة عزيزة نفيع، فقد اختارت تسليط الضوء على تجربة الكاتبات الأمازيغيات، معتبرة أن المرأة الأمازيغية أثبتت حضورها القوي في مجال الرواية رغم التحديات المجتمعية، وفي مقدمتها الهيمنة الذكورية التي لا تزال تفرض نفسها في المشهد الأدبي. وأوضحت أن كتابات النساء الأمازيغيات باتت تطرق مواضيع جريئة، منها الاغتصاب والتمييز والسلطة الذكورية، ما يُعد خرقًا واضحًا للقيود التقليدية المفروضة عليهن.

نفيع، التي تشرف على جمعية “رابطة تيرا”، أشارت إلى أن الجمعية تعمل على دعم الكاتبات الأمازيغيات وتوفير فضاء آمن للإبداع والتعبير، رغم قلة الدعم من مؤسسات النشر والتوزيع. وقالت إن الكتاب الأمازيغيين يملكون قدرات أدبية تضاهي أبرز الأسماء في الساحة العالمية، لكن غياب الاهتمام الكافي من جانب القارئ المغربي يحول دون وصول هذه الإبداعات إلى مكانتها المستحقة.

الندوة شكلت فرصة لتسليط الضوء على واقع الأدب الأمازيغي في ظل التحولات التي عرفها المغرب بعد خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وقد أبرز المشاركون أن عدداً من الجمعيات الثقافية، على غرار “رابطة تيرا”، ساهمت في تحريك المشهد الأدبي الأمازيغي وتشجيع الشباب على الكتابة والإبداع في مختلف الأجناس الأدبية.

في المحصلة، ورغم التقدم الحاصل في مجال التأليف والنشر الأمازيغي، يبقى هذا الأدب في حاجة إلى إرادة مؤسسية حقيقية، تتجاوز الرمزية نحو سياسات ملموسة في التعليم والدعم والتوزيع، حتى يتمكن من أداء دوره كاملاً في التعبير عن ثقافة وهوية جزء أساسي من المجتمع المغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى