أخبار عامة

الولاء الديني للرباط لا لمكة مسلمو سبتة ومليلية يميلون لإلغاء الأضحية تجاوبًا مع توجيهات العاهل المغربي

ازري بريس – محمد بنعمر

رغم الانتماء الإداري والسياسي لمدينتي سبتة ومليلية إلى الدولة الإسبانية، فإن ارتباطهما الرمزي والديني بالمغرب لا يزال راسخًا، كما تؤكده المواقف المتكررة لسكانهما المسلمين الذين لا يترددون في اتخاذ الرباط مرجعًا دينياً لهم، حتى ولو تعارض ذلك مع السياق السيادي الإسباني.

ففي عيد الفطر الأخير، اختار المسلمون في المدينتين الإفطار وفق إعلان وزارة الأوقاف المغربية، التي حدّدت يوم الإثنين موعدًا للعيد، في مخالفة واضحة للتقويم المعتمد في باقي التراب الإسباني. ولم تمضِ فترة طويلة حتى تجدد هذا الارتباط، ولكن هذه المرة في سياق أكثر حساسية: عيد الأضحى.

فقد بدأت أصوات من داخل المدينتين، تمثّل هيئات محلية وفاعلين في المجتمع المدني، تطالب بالامتثال لتوصية الملك محمد السادس الداعية إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام، تضامنًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المغاربة، والتي تعمّقت بسبب الجفاف وغلاء أسعار الماشية. الدعوة التي صدرت عن العاهل المغربي في فبراير الماضي، وإن جاءت بصيغة توصية، إلا أنها في السياق المغربي تحمل ثقلاً معنويًا وروحيًا كبيرًا، خصوصًا أن الملك يجمع بين السلطتين السياسية والدينية بصفته “أمير المؤمنين”، ما يجعل كلمته أقرب إلى توجيه نافذ.

في سبتة ومليلية، حيث الأضاحي لا تزال في متناول كثير من السكان بحكم الانتماء للاقتصاد الإسباني (حوالي 250 يورو للكبش)، لم يكن التفاعل مع هذه التوصية من منطلق الحاجة الاقتصادية، بل من منطلق الهوية والانتماء. فقرار الامتناع عن الأضحية بدأ يأخذ طابعًا رمزيًا يعكس حالة الانشداد إلى المغرب كمرجعية دينية وثقافية، تتجاوز البعد الترابي الخاضع لمدريد.

هذا التداخل عبّر عنه عبدالكامل محمد، رئيس جمعية سكان حي برينسيبي ألونسو، في مقال رأي نُشر في صحيفة إل فارو دي سبتة، حيث طرح تساؤلاً جوهريًا: “هل يجب على مدينة إسبانية مثل سبتة أن تلتزم بقرار صادر عن بلد مجاور؟ هل المرجعية التي ينبغي أن نتبعها هي تلك المرتبطة بالرباط أم المرجعية الإسلامية العالمية المتصلة بمكة والمجالس الفقهية الكبرى؟”.

الأسئلة تبدو أكثر من مشروعة حين نعلم أن المغرب يتكفل بتمويل جميع مساجد مدينة سبتة (17 مسجدًا)، كما يغطي نفقات 34 من أصل 42 مسجدًا في مليلية. هذا التمويل لا يمثل فقط دعماً لوجيستياً، بل يعكس تأثيرًا ناعمًا للمملكة داخل نسيج ديني يقع، شكليًا على الأقل، تحت السيادة الإسبانية.

وبذلك، لا تبدو قضية الأضحية هذا العام مجرد مسألة دينية، بل هي مرآة لصراع هويات معقّد، يتمحور حول الانتماء الروحي، والسيادة الرمزية، ويكشف عن مدى التداخل بين الدين والسياسة والثقافة في مدن تعيش على هامش الجغرافيا، لكنها متشبثة بعمق التاريخ والانتماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى