سلام الريفي… ذاكرة الغجر وصوت تافرسيت الصادق

ازري بريس – متابعة
في عمق جبال الريف المغربي، حيث تلتقي الطبيعة بالعراقة، وتحتضن الأرض أسرار الحكايات المنسية، يبرز اسم سلام الريفي كأحد أبرز حماة الذاكرة الغنائية في المنطقة. ابن بلدة تافرسيت الهادئة، وسليل عائلة “إيمذيازن” الغجر، حمل سلام على عاتقه إرثًا ثقافيًا شفويًا غنيًا، ظل يتنقّل عبر الأجيال، من الساحات إلى الأعراس، ومن الحكايات إلى الألحان.
سلام ليس فنانًا بالمعنى التجاري أو النمطي، بل هو صوت ريفي أصيل، وامتداد لثقافة فنية شعبية تنبع من الحكمة، والمعاناة، وحب الأرض. في بيئة كانت الكلمة فيها عهدًا لا يُنقض، واللحن دواءً يُشفي الأرواح، تربّى سلام بين شعراء بالفطرة؛ والده وأعمامه، الذين كانوا يحفظون أنساب الناس، ويروون قصصهم شعراً وغناءً، كأنهم يؤرخون للحياة اليومية بأسلوب فني فريد.
أغاني سلام تُشبهه: بسيطة، صادقة، دافئة. لا يركض خلف الأضواء ولا يتصنّع الإبهار، بل يغني ليحفظ الذاكرة، ليقاوم النسيان، وليُعيد الاعتبار لصوت الغجر الريفيين الذين طالما أسهموا في تشكيل الوعي الثقافي للمنطقة.
يرى متتبعو تجربته أنه أشبه بمتحف حيّ، أو كتاب مفتوح يسير على قدميه، يُحاكي بأدائه الصادق تفاصيل الحياة الريفية: الحب، الغربة، الكرامة، والوطن. فكل أغنية يؤديها هي بمثابة وثيقة حية، تُنقذ لحظة من الضياع، وتُخلد مشهداً من مشاهد الريف العميق.
وفي زمنٍ تتسارع فيه مظاهر الحداثة وتكاد تطغى على الهويات المحلية، يبقى سلام الريفي صوتًا مميزًا ومقاومًا، يُغني لا ليُبهر، بل ليُذكّر… لا ليُكرّر، بل ليُعيد الحياة لما كاد يُنسى