أخبار عامة

9 أبريل: محطتان مشرقتان في مسار التحرر والوحدة الوطنية

ازري بريس – محمد بنعمر

يخلد الشعب المغربي هذا اليوم، 9 أبريل، بكل فخر واعتزاز، ذكريين وطنيتين مجيدتين تجسدان أسمى معاني النضال والتشبث بالوحدة الوطنية: الأولى، مرور 78 سنة على الرحلة التاريخية التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس إلى مدينة طنجة سنة 1947، والثانية، الذكرى 69 لزيارته الميمونة إلى تطوان سنة 1956 معلناً من هناك استكمال استقلال شمال المملكة.

وتأتي هذه الذكرى المزدوجة في سياق استحضار صفحات مشرقة من كفاح العرش والشعب ضد الاستعمار، حيث شكلت الرحلتان لحظتين مفصليتين في مسيرة التحرر الوطني، وجسدتا إرادة ملك وشعب في مقاومة الاستعمار، وبناء مغرب موحد مستقل.

طنجة 1947: صوت الاستقلال يعلو لأول مرة

في 9 أبريل 1947، أقدم جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، على القيام برحلة تاريخية نحو مدينة طنجة، متحدياً كل العراقيل التي وضعتها سلطات الحماية الفرنسية لإفشالها. الرحلة لم تكن فقط حدثاً سياسياً، بل لحظة فاصلة في تاريخ المغرب، إذ أعلن من خلالها جلالته، ولأول مرة، وبصوت جهور أمام المحافل الدولية، عن حق المغرب في الاستقلال والسيادة.

وقد سبق الرحلة مجزرة دموية بمدينة الدار البيضاء، ارتكبتها السلطات الاستعمارية في 7 أبريل 1947، في محاولة يائسة لتثبيط العزائم، لكنها لم تُثنِ محمد الخامس عن مواصلة خطاه نحو طنجة، ليؤكد للمبعوث الفرنسي قائلاً: “لا مجال مطلقاً للرجوع عن مبدأ هذه الرحلة.”

حظيت الزيارة الملكية باستقبال شعبي عارم، حيث امتلأت مدن الطريق بين الرباط وطنجة بجماهير غفيرة، في مشهد جسّد التلاحم العميق بين الملك وشعبه. وفي يوم 10 أبريل، ألقى جلالة الملك خطاباً تاريخياً بحدائق المندوبية بطنجة، بحضور شخصيات مغربية وأجنبية، قال فيه: “إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عليه، فما ضاع حق من ورائه طالب…”، مؤكداً أن الاستعمار مرحلة عابرة وأن وحدة المغرب من شماله إلى جنوبه هي قدره التاريخي.

الرحلة لم تخلُ من بعدها الديني، حيث أمّ جلالة الملك صلاة الجمعة في المسجد الأعظم بطنجة يوم 11 أبريل، مؤكداً على أن الدين أحد أعمدة مقاومة الغزو والحفاظ على وحدة الأمة.

وقد أزعجت هذه الزيارة سلطات الحماية إلى درجة أنها سارعت إلى عزل المقيم العام الفرنسي “إيريك لابون” وعوضته بالجنرال “جوان” الذي باشر سياسة أكثر عدوانية ضد القصر الملكي.

أنشطة أميرية وتلاحم شعبي

تميزت الرحلة الملكية إلى طنجة بمشاركة فعالة من الأسرة الملكية، حيث قام الأمراء مولاي الحسن ومولاي عبد الله والأميرة للا عائشة بأنشطة ميدانية التحموا من خلالها مع فئات مختلفة من الشعب المغربي. وكان لخطاب للا عائشة في دار المخزن بتاريخ 11 أبريل 1947 وقع كبير، خاصة بعد دعوتها إلى تعميم التعليم في صفوف النساء، تأكيداً على دور المرأة في بناء مغرب المستقبل.

تطوان 1956: إعلان الوحدة الوطنية

وفي 9 أبريل 1956، عاد محمد الخامس من إسبانيا بعد مفاوضات ناجحة أثمرت توقيع معاهدة 7 أبريل 1956، والتي بموجبها اعترفت إسبانيا باستقلال المغرب. وكانت وجهته مدينة تطوان، حيث زفّ بشرى استقلال المنطقة الشمالية، معلناً توحيد المغرب من شماله إلى جنوبه.

وقد شهدت المدينة استقبالا جماهيريا هائلاً تجاوز 200 ألف مواطن، حيث ألقى جلالته خطاباً مؤثراً قال فيه: “واليوم نعود من رحلتنا من الديار الإسبانية ووجهتنا تطوان… قصدنا أن يرن صوت الإعلان بوحدة التراب إلى رعايانا…”

احتفالات رسمية تخليداً للذكرى

وفي إطار تخليد هذين الحدثين الوطنيين البارزين، أعلنت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير عن تنظيم برنامج غني بالفعاليات بمدينة طنجة وتطوان وأصيلة، يوم الأربعاء 9 أبريل 2025، بحضور السلطات المحلية وممثلي المجتمع المدني وأسرة المقاومة وجيش التحرير. وسيتضمن البرنامج مهرجانات خطابية، تكريم قدماء المقاومين، وتقديم إعانات اجتماعية وإنسانية لفائدة هذه الأسرة المجاهدة.

ذكرى بطعم الوفاء للتاريخ

يشكل هذا اليوم مناسبة لتجديد الوفاء لرموز المقاومة الوطنية، واستحضار المواقف الشجاعة لجلالة المغفور له محمد الخامس، والتأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة المغرب، ومواصلة مسيرة التنمية والبناء بنفس الروح الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى