الجدل يتصاعد في المغرب حول تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية: بين الاندماج الوطني والخصوصية الثقافية

ازري بريس – متابعة
يتجدد النقاش في المغرب حول إمكانية تأسيس حزب سياسي بمرجعية أمازيغية، في ظل المستجدات الدستورية التي أقرت بالأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، وأعطت زخماً لحضورها المؤسساتي والثقافي. هذا النقاش، الذي يأخذ منحى متصاعداً في الأوساط السياسية والثقافية، يكشف تبايناً واضحاً في الرؤى بين من يرى في الخطوة مشروعاً سياسياً إصلاحياً يعيد التوازن للمشهد الحزبي، ومن يرفضها باعتبارها تقزيماً لقضية وطنية جامعة.
بين تمزيغ الأحزاب وتأسيس حزب خاص
يرى رشيد بهدوز، أحد أبرز النشطاء الأمازيغيين، أن الحديث المتكرر عن “الحزب الأمازيغي” عند كل محطة انتخابية يغلب عليه الطابع الإعلامي أكثر من كونه نقاشاً سياسياً فعلياً، خاصة في ظل الاعتراف الرسمي بالأمازيغية سنة 2011 وما تبعه من خطوات ملكية داعمة. ويعتبر بهدوز أن الأمازيغية قضية وطنية لا تخص فئة دون أخرى، ما يجعل اختزالها في حزب واحد نوعاً من الإضعاف لمكانتها الجامعة.
وبالنسبة له، فإن تأسيس حزب بهوية أمازيغية لا يُعدّ ممنوعاً، لكنه لا يجب أن يكون على حساب مسؤولية باقي الأحزاب تجاه هذه القضية، داعياً إلى “تمزيغ” الأحزاب القائمة من الداخل، أي الدفع بها لتبني الأمازيغية ضمن برامجها وخطاباتها السياسية. ويضيف أن النضال الحقيقي من أجل الأمازيغية ينبغي أن يكون داخل المؤسسات القائمة، مستشهداً بتجربة حزب الأصالة والمعاصرة الذي أدرج الأمازيغية ضمن هويته التأسيسية.
مشروع حضاري لإصلاح المنظومة السياسية
في المقابل، يرى الباحث والفاعل الأمازيغي عبدالله بوشطارت أن تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية ليس ردة فعل ظرفية، بل هو مشروع شامل يسعى إلى تصحيح اختلالات بنيوية عميقة في النظام الحزبي المغربي. ويعتبر أن الأحزاب السياسية الحالية تأسست على خلفيات فكرية مستوردة لا تعبر عن الواقع الثقافي المغربي، مما خلق فجوة بين المجتمع ومؤسساته السياسية.
بوشطارت يرى أن المشروع الحزبي الأمازيغي سيكون بمثابة قطيعة معرفية مع هذا الإرث، وفرصة لإعادة الاعتبار للذات المغربية وهويتها الأصلية، من خلال أفكار تنبع من الواقع المغربي وتستجيب لحاجاته الثقافية والاجتماعية. ويؤكد أن هذا الحزب لن يكتفي بالدفاع عن اللغة الأمازيغية، بل سيتبنى رؤية شاملة تعالج قضايا التنمية والعدالة والبيئة والحريات.
كما شدد على أن التخوف من تأسيس هذا الحزب لا مبرر له، لأنه لا يزال مجرد فكرة في طور النقاش، معتبراً أن الحكم عليه قبل ميلاده هو استباق غير موضوعي. ويرى في المشروع الحزبي الأمازيغي وسيلة لتعزيز التعدد والتعايش، في إطار احترام القوانين ومؤسسات الدولة.
بين الهوية الوطنية والتعدد السياسي
النقاش حول الحزب الأمازيغي يعكس في عمقه إشكالاً قائماً حول كيفية تمثيل الهويات الثقافية في الإطار السياسي. فبين من يرى أن الأمازيغية يجب أن تكون قضية تتبناها جميع الأحزاب الوطنية، ومن يعتبر أن خصوصيتها تتطلب تأطيراً سياسياً خاصاً بها، يبقى السؤال الأهم مطروحاً: هل تسع الساحة السياسية المغربية لمزيد من التعدد المرجعي؟ أم أن الأولوية اليوم هي تعزيز الوحدة من خلال تنوع داخلي في الأحزاب القائمة؟
سواء سار النقاش نحو تأسيس حزب جديد أو تقوية الحضور الأمازيغي داخل الأحزاب الموجودة، فإن المؤكد أن المسار السياسي للأمازيغية في المغرب دخل مرحلة جديدة تتطلب وعياً جماعياً ونقاشاً هادئاً لتحديد أنجع السبل لتحقيق الإنصاف الثقافي والمجالي، في إطار التعايش الوطني والتعدد الديمقراطي.